علماء اللغة

ابن القطاع الصقلي

ملخص المقال

    أبو القاسم ابن القطاع الصقلي، أحد أئمة اللغة والأدب في تاريخ العربية، وصاحب كتاب الأفعال الذي لم يؤلف مثله، فمن هو ابن القطاع الصقلي؟

أبو القاسم ابن القطاع الصقلي، واحد من أئمة اللغة والأدب في تاريخ العربية، وصاحب كتاب الأفعال الذي لم يؤلف مثله، ولعلو منزلته وصف بأنه “بطل لا يناجز، وجبل لا يناهز”، فمن هو ابن القطاع الصقلي؟

اسمه نسبه

هو العلامة شيخ اللغة أبو القاسم علي بن جعفر بن علي بن محمد بن عبد الله بن حسين بن أحمد بن محمد بن زيادة الله بن محمد بن الأغلب. الأغلبي، السعدي، الصقلي المولد، المصري المنزل والوفاة، الكاتب اللغوي. المشهور بـ “ابن القطاع الصقلي”. والأغالبة أحد بني مالك بن سعد بن زيد مناة بن تميم، وينتهي نسبهم إلى معد بن عدنان.

نشأته وتعليمه

ولد ابن القطاع بجزيرة صقلية في العاشر من صفر سنة 433هـ = التاسع من أكتوبر سنة 1041م. وكانت نشأته في بيت علم وأدب ولغه وفضل، قال ياقوت الحموي: “وكان أبوه ذا طبقة عالية في اللغة والنحو، وجده علي شاعرا محسنا، مدح الحاكم، وجد أبيه من الشعراء أيضا، وجد جده الحسين بن أحمد”. وفي صقلية قرأ على أبي بكر محمد بن البر الصقلي اللغوي، من أكبر علماء اللغة والنحو بصقلية. وكان مما روى عنه “كتاب الصحاح” لإسماعيل بن حماد الجوهري، ومن طريقه اشتهرت رواية هذا الكتاب في جميع الآفاق. ومن شيوخه والده أبو محمد جعفر بن علي، له مصنفات في اللغة والعروض، قال في الإنباه: “أحد العلماء باللغة المبرز فيها، وله في الترسل طبع نبيل، وفي المعاني، ونقد الشعر حظ جزيل، قد كان في وسط المائة الخامسة موجودا في صقلية. والله أعلم”

إقرأ أيضا:الجوهري

انتقاله إلى مصر

وفي سنة 455هـ رحل ابن القطاع عن صقلية لمّا استولى عليها الإفرنج، قال السلفي: سمعت عبد الواحد بن غلاب يقول: سمعت أبا القاسم بن القطاع يقول: لما خرجت من المغرب (صقلية)، شيعني شيخي أبو بكر محمد بن علي ابن البر التميمي اللغوي، وقال: توجه حيث أردت، فما يرى مثلك.

وقد انتهى به المطاف في حدود سنة 500هـ إلى مصر، فاحتفل المصريون لقدومه وصدوره، وبالغ أهلها في إكرامه، وسمعوا منه (صحاح) الجوهري، وأحسنت إليه الدولة العبيدية الفاطمية في مصر فأقام بمدينة القاهرة متصدِّرًا للإفادة، وكلّفه الأفضل بدر الجمالي وزير الآمر بالله العبيدي الفاطمي تعليم أولاده.

مكانته

قال ياقوت: “وكان إمام وقته ببلده وبمصر في علم العربية وفنون الأدب”. وقال ابن خلكان: ” كان أحد أئمة الأدب خصوصًا اللغة، وله تصانيف نافعة ..، وأجاد في النحو غاية الإجادة”. وقال الذهبي: ” العلامة، شيخ اللغة ..، له نظم جيد وفضائل “، وقال: “وكان ذكيًا شاعرًا، راوية للآداب”. وقال الفيروزآبادي: “قرأ بها (صقلية) الأدب وبرع وله تصانيف حسان، من أجلها: كتاب الأفعال. لم يؤلف في معناه أجل منه على اختصاره، وله عروض جامع”.

وقال في حقه ابن فضل الله العمري في مسالك الأبصار: “بطل لا يناجز، وجبل لا يناهز، أعجز بحره من عام به، ورد بحره كل كميّ هز عامله، قعد للإفادة كل أيامه. متح غدر طرفيها ورادا، ويلزّ بنقعها سعدا وورّادا حتى أفاق آنية أفهامهم فأترعها، وأخصب أندية أيامهم فأمرعها، ونقلت الألسنة ما سمعتها فملأت بها الآذان، ونقلتها إلى حيث تسمع الأذان، تجاوز محدودا ولم يكن مثله في القوم على كثرتهم معدودا، فلهذا عرف معماه، وبقي اسمه وقد ذهب مسمّاه”.

إقرأ أيضا:الجوهري

وقد أشارت جلّ المصادر التي ترجمت لابن القطّاع إلى ما أسمته تساهلًا في الرواية عنده، ومن ذلك ما قاله صاحب الإنباه: “وقد كان نقدة المصريين يَسِمونه بالتساهل في الرواية، فمن ذلك أنه لما دخل إلى مصر سئل عن كتاب الصحاح في اللغة للجوهري، فذكر أنه لم يصل إليهم، ثم لمّا رأى اشتغال الطلبة به ورغبة الناس فيه ركّب له طريقًا في روايته، (وعبارة الفيروزآبادي: ركّب إسنادًا) وأخذه الناس عنه مقلدين له إلا الأقل من محققي النقل في ذلك الوقت”. وقد ردّد هذا الكلام ابن خلكان، والصفدي، والفيروزآبادي وساق هذا الأخير أدلة تؤيّده.

ومهما يكن، فإن تساهله في رواية الصحاح -إن صح ما ذكره صاحب الإنباه ومن تبعه- لم يقلل من مكانته، فقد شهد له أكثر من ترجم له بأنه إمام وقته ببلده وبمصر في علم العربية وفنون الأدب.

من تلاميذه

عندما دخل ابن القطاع الصقلي مصر تصدر للتدريس والإفادة، وكانت له حلقات علم وأدب ولغة، فكثر تلاميذه في مشارق مصر ومغاربها، بل وخارجها، وكان أبو البركات العرقي وأبو محمد بن بري (ت582هـ) من أشهر تلامذته في مصر. ومن تلاميذه ابنه محمد أبو علي بن القطاع (ت 516هـ)، كانت له حلقة في جامع عمرو بن العاص بمصر لإقراء اللغة وكان دمث الأخلاق مالكي المذهب مائلا إلى الحديث. ومنهم أبو محمد عبد الدائم ابن عمر بن حسين، وسلامة بن غياض بن أحمد أبو الخير الكفرطابي النحوي قرأ الأدب على ابن القطاع. و أبو العز نصرون بن فتوح بن الحسين الخرزي، وهو من خواص أصحابه أبي القاسم ابن القطاع. ومنهم: أبو الحسين هبة الله بن علي بن الحسن المصري الكاتب،  وأبو محمد روزبه بن محمد، وأبو البركات عبد الواحد بن عبد الرحمن بن غلاب القضاعي السوسي، وأبو حفص عمر بن عبد العزيز بن عبيد بن يوسف الطرابلسي المالكي، وغيرهم الكثير.

إقرأ أيضا:عبد الله بن المقفع وأشهر مؤلفاته

غيرته على العلم والكتاب

روى الحافظ السلفي عن أبي العز نصرون وهو من خواص أصحاب أبي القاسم ابن القطاع، فقال: “مرضت مرضة أشفيت منها على الموت وبعت فيها كتبا أدبية وغير أدبية، ومن جملتها صحيح البخاري وصحيح مسلم، فذكرت ذلك بعد إفاقتي من مرضي لأبي القاسم بن القطاع، فغضب عليَّ غضبا شديدا، وقال: كنت تقنع ببيع كتب الأدب فعنها عوض وتترك عندك الصحيحين، هل رأيت مسلما يخرج الصحيحين من داره؟! هل رأيت مسلما يخرج الصحيحين من داره؟! ولم يزل يردد ذلك حتى استحييت من نفسي ومن الحاضرين وندمت غاية الندم”.

كتبه ومصنفاته

ولابن القطاع عدة تصانيف وكتب في اللغة والأدب، لم يطبع منها إلا كتابه المشهور “الأفعال”، أما كتبه الأخرى فما زالت بين مخطوط ومفقود، فمن المخطوط كتاب “أبنية الأسماء” جمع فيه أبنية الأسماء كلها، قال ابن خلكان: “جمع فيه فأوعب، وفيه دلالة على سعة اطلاعه”، وكتاب “العروض البارع”، و”الشافي في القوافي”، و”أبيات المعاياة”.

ومن المفقود: “الدرّة الخطيرة في المختار من شعر شعراء الجزيرة” (يعني جزيرة صقلية) اشتمل على مئة وسبعين شاعرًا، وعشرين ألف بيت من الشعر، وقد بقيت منه نقول متفرقة في المصادر، وقد حقق المستشرق أومبرتو ريتستانو منتخبات من هذا الكتاب. و”لمح الملح” جمع فيه طائفة من أشعار أهل الأندلس، و”فرا ئد الشذور وقلائد النحور” في الأشعار، و”ذكر تاريخ صقلية”، وكتاب “شرح الأمثلة”، و”حواش على كتاب الصحاح” وهي حواش وصفت بأنها نفيسة، اعتمد عليها أبو محمد بن بري فيما تكلم عليه من حواشي الصحاح.

كتاب الأفعال

وكتاب “الأفعال” أشهر كتب ابن القطا الصقلي، وهو في ثلاث مجلدات، وقد وصفه الفيروزآبادي بأنه من أجل كتبه، وقال ابن خلكان: “أحسن فيه كل الإحسان، وهو أجود من الأفعال لابن القوطية، وإن كان ذلك قد سبقه”، وقال ياقوت: “وكتاب الأفعال هذّب فيه أفعال ابن القوطية وأفعال ابن طريف وغيرهما في ثلاث مجلدات”. وقال الذهبي: “وما أغزر فوائده”.

والناظر في هذا الكتاب يدرك صحة ما قاله ياقوت من أنه تهذيب لأفعال ابن القوطية، إلا أنه خالفه في المنهج، واستدرك عليه طائفة من الأفعال، وكان يشير إلى كلام ابن القوطية بالحرف (ق)، وإلى ما استدركه عليه بالحرف (ع).

من أشعاره

ولابن القطاع أشعار كثيرة، منها:

يا ربّ قافية بكر نظمت بها *** في الجيد عقدا بدرّ المجد قد رصفا

يودّ سامعها لو كان يسمعها *** بكلّ أعضائه من حسنها شغفا

ومنه:

وشادنٍ في لسانه عقدٌ *** حلت عقودي وأوهنت جلدي

عابوه جهلًا بها فقلت لهم *** أما سمعتم بالنفث في العقد

وله من جملة قصيدة:

فلا تنفدن العمر في طلب الصبا *** ولا تشقين يومًا بسعدى ولا نعم

ومن شعره:

ألا فليوطّن نفسه كلّ عاشق *** على سبعة محفوفة بغرام

رقيب وواش كاشح ومفنّد *** ملحّ ودمع واكف وسقام

وقال السلفي: سمعت أبا الحسين هبة الله بن على بن الحسن الكاتب الفرضى بمصر يقول:

سمعت أبا القاسم على بن جعفر بن علىّ اللغوىّ الصّقلىّ يقول: كتب إلىّ أبو الفضل يوسف بن حسداي الوزير الهارونيّ بسرقسطة من مدن الأندلس حين دخلها:

أعيذك بالله من فاضل *** أديب تداهى على صحبه

فأعرض محتقرا بزّهم *** وكلّ ينافس فى جلبه

فلما أذاع لدينا سرائ *** ر ما كان أودع فى قلبه

جلا كل معجزة من نظيم *** لآلئه وحلى عصبه

فهل جاز سمعا ولم يلهه *** ومرّ بقلب ولم يصبه!

فأجبته مرتجلا:

بدأت بفضل أتاه الكريم *** ولا غرو منك ابتداء به

لأنك مغرى بفعل الجميل *** مهين لما عزّ فى كسبه

أتتنى أبياتك الرائقات *** بشــأو بعيد على قربه

ونظم جلا النّظم فى أنقه *** وحلّى له الجدى فى قطبه

فأنطقنى حسنه واجترأت *** وقلت من الشعر فى ضربه

وعوّلت فيه على فضله *** وما خصّه الله من إربه

وفاته

ظل ابن القطاع الصقلي رحمه الله في مصر متصدرا للتعليم والإفادة، حتى توفي في صفر سنة 515هـ / 1121م، ودفن قرب ضريح الإمام الشافعي. فجزاه الله عن الإسلام والمسلمين خيرا.

_________________

المصادر والمراجع:

– السلفي: معجم السفر، المحقق: عبد الله عمر البارودي، الناشر: المكتبة التجارية – مكة المكرمة.

– الذهبي: تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام، المحقق: عمر عبد السلام التدمري، الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة: الثانية، 1413هـ / 1993م.

– القفطي: إنباه الرواة على أنباه النحاة، المحقق: محمد أبو الفضل إبراهيم، الناشر: دار الفكر العربي – القاهرة، ومؤسسة الكتب الثقافية – بيروت، الطبعة: الأولى، 1406 هـ / 1982م.

– ياقوت الحموي: معجم الأدباء، المحقق: إحسان عباس، الناشر: دار الغرب الإسلامي، بيروت، الطبعة: الأولى، 1414هـ / 1993م.

– ابن خلكان: وفيات الأعيان، المحقق: إحسان عباس، الناشر: دار صادر – بيروت.

– الفيروزآبادى: البلغة في تراجم أئمة النحو واللغة، الناشر: دار سعد الدين للطباعة والنشر والتوزيع

الطبعة: الأولى 1421هـ / 2000م.

– ابن العماد الحنبلي: شذرات الذهب في أخبار من ذهب، حققه: محمود الأرناؤوط، خرج أحاديثه: عبد القادر الأرناؤوط، الناشر: دار ابن كثير، دمشق – بيروت، الطبعة: الأولى، 1406هـ / 1986م.

– ابن حجر: لسان الميزان، دائرة المعرف النظامية – الهند، الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات بيروت – لبنان، الطبعة: الثانية، 1390هـ /1971م.

– السيوطي: بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة، المحقق: محمد أبو الفضل إبراهيم، الناشر: المكتبة العصرية، صيدا – لبنان.

السابق
الأصمعي شيخ العربية
التالي
أبو هلال العسكري