أبو بكر الصدِّيق أول من أسلم من الرجال
إنّ أول من أسلم من الرجال أبو بكر عبد الله بن أبي قحافة التيميّ القرشيّ، ولُقِّب بالصدِّيق لكثرة تصديقه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد كان رفيق رسول الله عليه الصلاة والسلام في رحلة هجرته إلى المدينة المنورة، قال الله تعالى: (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).[١]
أما بالنسبة لقصة إسلام أبي بكر الصديق، فإنّه لما جاء الوحي للرسول الكريم عليه الصلاة والسلام أول مرة، حيث نزل الرسول وهرع إلى بيته، وذهب هو وخديجة رضي الله عنها إلى ورقة بن نوفل، ثم أخبره أنّه نبي هذه الأمة، ثم توجّه إلى صديقه الحميم أبي بكر الصديق وأخبره بشأنه، وأنّه أُوحي إليه، فسارع أبو بكر الصديق إلى الإسلام والتصديق بما جاء به الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام دون أدنى تردد أو شك؛ وذلك لعلمه بمدى صدق صاحبه ومدى أمانته، وعلو أخلاقه، وأنّه إن قال إنّه رسولٌ بدأ الوحي بالنزول عليه لتبليغه أمانة الرسالة، فكلامه حقٌ وعدلُ، لا يُساوره أيُّ شك، أو شائبة كذبٍ ولو بسيطة، فآمن وصدّق، وأطاع واتبع، فكان أبو بكر الصديق أول من أسلم من الرجال.[٢]
إقرأ أيضا:ما صفات عباد الرحمنوُلِد أبو بكر الصدِّيق رضي الله عنه بعد عام الفيل بعامين وستة أشهر.[٣]، وقال بعضهم إنّه وُلِد رضي الله عنه بعد عام الفيل بثلاث سنوات، وكانت ولادته في عام (573م).[٤]
وهو أول خليفة من الخلفاء الراشدين، وقد بُويع على الخلافة يوم مات رسول الله عليه الصلاة والسلام[٥] في سقيفة بني ساعدة، وكان وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام في يوم الاثنين الموافق الثاني عشر من شهر ربيع الأول من السنة الحادية عشرة بعد الهجرة،[٦] واستمرت خلافة أبي بكر الصدِّيق رضي الله عنه سنتين وأربعة أشهر، وقد اجتمعت كلمة المسلمين جميعاً على أن يكون أبو بكر الصدِّيق رضي الله عنه أول خليفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم من بعده، حيث كان خليفته في الصلاة بالمسلمين أيام مرضه، وصدّيقه الأكبر، ومؤنسه في الغار، وهو الذي سيَّر جيش أسامة بن زيد للقاء الروم بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم.[٧]
مكانة أبي بكر الصديق
كانت لأبي بكر رضي الله عنه مكانة كبيرة في قريش، وعندما أسلم أبو بكر رضي الله عنه أظهر إسلامه ولم يخفِه، ودعا إلى دين الله عز وجل، وإلى تصديق رسوله صلى الله عليه وسلم وكان أبو بكر رجلاً محبباً لدى قومه، ليّناً سهلاً، وكان أنسب قريش لقريش وهو أعلم قريش بها، وما فيها من خيرٍ وشرٍ، وكان أبو بكر تاجراً، يتميّز بأخلاقه الرفيعة، وكان الرجال من قومه يأتونه، ويستشيرونه في أمورهم؛ وذلك لعلمه وتجارته، وما يجدونه من حسن مجالسته، فأصبح يدعو الناس إلى الله عزّ وجل، ويدعو إلى الإسلام كلّ من وثق به من قريشٍ ممن كان يجلس إليه، فأسلم على يدي أبو بكر الصديق: عثمان بن عفان، والزبير بن العوام، وعبد الرحمن بن عوف، وطلحة بن عبيد الله، وسعد بن أبي وقاص.[٨]
إقرأ أيضا:كيف أغتسل من الجنابةوكانت خديجة بنت خويلد رضي الله عنها أول من اتَّبع الرسول صلى الله عليه وسلم من النساء، ومن الصبيان علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ومن الموالي زيد بن حارثة رضي الله عنه، ومن الرجال أبو بكر الصديق رضي الله عنه.[٩]
الهجرة إلى المدينة
قال الله تعالى: (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)،[١٠] عندما أَذن الرسول صلى الله عليه وسلم للمسلمين بالهجرة إلى يثرب همّ أبو بكر الصدِّيق رضي الله عنه بالهجرة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تعجل لعل الله يجعل لك صاحباً)، ففهم أبو بكر الصدِّيق رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قصده بالصاحب، وعندما تجهّز أبو بكر الصدِّيق رضي الله عنه للهجرة إلى يثرب (المدينة المنورة) قال له الرسول صلى الله عليه وسلم: (على رسلك فإني أرجو أن يؤذن لي، قال: وهل ترجو بأبي وأمي أنت؟ قال: نعم)، فلم يخرج أبو بكر الصدِّيق رضي الله عنه في طريقه للهجرة إلّا عندما أُذن للرسول صلى الله عليه وسلم.
إقرأ أيضا:كم عدد الأشهر الحرموعندما أُذِن للرسول صلى الله عليه وسلم بالهجرة، كان كفار قريش مجتمعين؛ ليتشاوروا ماذا يفعلون برسول الله صلى الله عليه وسلم، فاجتمع أمرهم على أن يأخذوا شاباً من كل قبيلةٍ، ويعمدوا إليه ويضربوه ضربة رجل واحد؛ كي يتفرق دمه بين القبائل ولا يستطيع بنو عبد مناف محاربتهم جميعاً، ويقبلوا بالفدية، فاستطاع الرسول صلى الله عليه وسلم أن يخرج وصاحبه ولم يروه بعدما أخذ الرسول عليه الصلاة والسلام حفنة من التراب وجعلها على رؤوسهم،[١١] فخرجا وقد تزودا بالماء والزاد.
وكانت بعد ذلك أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما تأخذ لهما الطعام في مخبأهما، ولمّا لم تجد يوماً رباطاً تحمل فيه الطعام، قطعت أسماء بنت أبي بكر قطعةً من نطاقها لتربطه وتضع فيه الطعام؛ ولذلك سُمّيت بذات النطاقَين،[١٢] وسلك الرسول وأبو بكر طريقاً غير طريق يثرب، فبدلاً من أن يتجها نحو الشمال، ذهبا إلى الجنوب، ولمّا خرج الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة نظر إليها وقال: (والله إنك لأحب أرض الله إلي، وإنك لأحب أرض الله إلى الله، ولولا أن أهلك أخرجوني منك ماخرجت)، فكان أبو بكر الصدِّيق رضي الله عنه صاحب الرسول صلى الله عليه وسلم ورفيقه في السفر، وعندما وصل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى يثرب استقبله أهلها استقبالاً حافلاً وسُميت بالمدينة المنورة.[١٣