أولا : الهندوسية :
الهندوسية : دين وثني يعتنقه غالب الشعب الهندي، وهو عبارة عن معتقدات وعادات وأخلاق وسلوكيات يلتزم بها الهندوس في حياتهم .
نشأة الهندوسية : ليس هناك من مصدر معتمد يمكن من خلاله تحديد الزمن الفعلي لنشأة الهندوسية كونها لم تنشأ من خلال دعوة شخص أو أشخاص وإنما هي عبارة عن معتقدات وعادات قوم تراكمت ودونت وحفظت فاتخذها من من بعدهم من أجيالهم دينا يتبعونه، ويُرجع الباحثون نشوء الهندوسية للاحتكاك الثقافي بين الأعراق المختلفة التي وفدت إلى الهند واستقرت فيها .
معتقدات الهندوس :
أولا : الإله عند الهندوس : يعجب المرء أشد العجب من كثرة الآلهة التي يدين لها الهندوس ويؤلهونها ، وقد وصف ول ديورانت، في قصة الحضارة آلهة الهندوس فقال : “تزدحم بها – أي الآلهة – مقبرة العظماء في الهند، ولو أحصينا أسماء هاتيك الآلهة لاقتضى ذلك مائة مجلد، وبعضها أقرب في طبيعته إلى الملائكة، وبعضها هو ما قد نسميه نحن بالشياطين، وطائفة منهم أجرام سماوية مثل الشمس، وطائفة منهم تمائم … وكثير منها هي حيوانات الحقل أو طيور السَّماء، .. فالفيل مثلاً قد أصبح الإله جانيشا واعتبروه ابن شيفا، وفيه تتجسّد طبيعة الإنسان الحيوانية… كذلك كانت القردة والأفاعي مصدر رعب، فكانت لذلك من طبيعة الآلهة؛ فالأفعى التي تؤدي عضة واحدة منها إلى موت سريع، واسمها ناجا، كان لها عندهم قدسية خاصة؛ وترى النّاس في كثير من أجزاء الهند يقيمون كلّ عام حفلاً دينياً تكريماً للأفاعي، ويقدّمون العطايا من اللبن والموز لأفاعي الناجا عند مداخل جحورها؛ كذلك أقيمت المعابد تمجيداً للأفاعي كما هي الحال في شرق ميسور “.
وهذه الوفرة والكثرة في الآلهة يختزلها الهندوس في آلهة ثلاثة أو واحد ذو ثلاثة أقانيم :
1- الإله براهما: ويُطلق عليه اسم (سانج هيانج)، واسمه بالسنسكريتية -لغة الهندوس -: (UTPETI)، وهو الخالق، حسب معتقدهم .
2- الإله فيشنو: ويسمونه الحافظ ومهمته الحفـاظ على العالـم ويسمونـه بلغتهم (Sthiti). وكثيراً ما يصوّرونه على هيئة إنسان يجسّد الخير والعون للبشر، ويساعده في مهمته آلهة آخرون : راما ـ وكرشنا، ويحتل فيشنو موقعاً متميزاً في الشعائر الهندوسية.
3- الإله شيفا: وهو إله الهلاك والفناء والدمار، وهو المهلك للعالـم ومهمته نقيض مهمة فيشنو، ويسمونه بلغتهم (Sang Kan Paean ) يقول ديورانت في قصة الحضارة عن شيفا : ” إله القسوة والتدمير قبل كلّ شيء آخر؛ هو تجسيد لتلك القوّة الكونية التي تعمل، واحدة بعد أخرى، على تخريب جميع الصور التي تتبدى فيها حقيقة الكون، جميع الخلايا الحيّة وجميع الكائنات العضوية، وكلّ الأنواع، وكلّ الأفكار وكلّ ما أبدعته يد الإنسان، وكلّ الكواكب، وكلّ شيء”.
البقرة عند الهندوس : تحتل البقرة عند الهندوس مكانة هامة تصل إلى حد التأليه والتقديس ، يقول مهاتما غاندي : ” عندما أرى بقرة لا أعدني أرى حيونا لأني أعبد البقرة، وسأدافع عن عبادتها أمام العالم أجمع …. “، ويقول ” وأمي البقرة تفضل أمي الحقيقية من عدة وجوه، فالأم الحقيقة ترضعنا مدة عام أو عامين وتتطلب منا خدمات طول العمر نظير هذا ، ولكن أمنا البقرة تمنحنا اللبن دائما ، ولا تتطلب منا شيئا مقابل ذلك سوى الطعام العادي . وعندما تمرض الأم الحقيقية تكلفنا نفقات باهظة ، ولكن أمنا البقرة لا نخسر لها شيئا ذا بال ، وعندما تموت الأم الحقيقية تتكلف جنازتها مبالغ طائلة ، وعندما تموت أمنا البقرة تعود علينا بالنفع كما كانت تفعل وهي حية لأننا ننتفع بكل جزء من جسمها حتى العظم والجلد والقرون “.
إقرأ أيضا:مناقشة ردود النصارى حول تحريف الإنجيلولو وافقنا غاندي على صحة هذه المقارنة، فهل يصح أن نخرج بنتيجة مفادها صحة عبادة البقرة !! إن هذا لمن أعجب العجب وهو منطق الوثنيين منذ أقدم العصور، فالذين عبدوا الشمس نظروا إلى منافعها عليهم، والذين عبدو الشجر كذلك .. فهلا عبدوا مسبب الأسباب ومسخر الخلائق بمنافعها سبحانه وتعالى .
ثانيا : من عقائد الهندوس ما يمكن تسميته دورة الحياة عندهم :
فللهندوس عقائد تصور دورة حياة الإنسان، حيث يرون أن روح الإنسان خلقت من الإله ثم ركبت في هذا الجسد الفاني .
والهندوس لا يؤمنون بجنة ولا بنار كما يعتقد المسلمون مثلا ولكنهم يؤمنون بجزاء آخر للمحسن والمسيء فيقولون : ” إن المحسن عندما يموت، يموت جسده وتبقى روحه باقية لا تموت، لأنها جزء من الإله فتجازى بأن توضع في جسد صالح وهو ما يعرف بتناسخ الأرواح أو انتقالها ” فجزاء المحسن أن توضع روحه في جسد صالح تتنعم فيه وجزاء المسيء أن توضع روحه في جسد شقي تشقى به .
وليس هذا نهاية المطاف عندهم فالغاية التي يتمناها الهندوس لأرواحهم أن تتحد بالإله براهما ولكن هذا لن يحصل وفقا لمعتقداتهم إلا إذا تخلصت النفس من شرورها ونزعاتها وشهواتها ورغباتها وهو ما يسمونه مرحلة الانطلاق كما ورد في “أرنيك ” – أحد كتبهم – : ” من لم يرغب في شيء ولن يرغب ، وتحرر من رق الأهواء ، واطمأنت نفسه ، فإنه لا يعاد إلى حواسه ، فيتحد بالبرهما ويصير هو ، ويصبح الفاني باقيا ” وهي المرحلة النهائية في دورة الثواب عند الهندوس حيث تعود الروح من حيث صدرت، فكما هي جزء من الإله تعود إليه وتتحد به .
إقرأ أيضا:البهائية : تاريخها وأفكارهاولك أن تسأل أي هندوسي أو غيره ممن يعتقد بتناسخ الأرواح هل يشعر بأي شيء عن حياة روحه السابقة ؟ هل يتذكر شيئا عن تلك الحياة التي عاشها من قبل في جسد آخر ؟ قد يقال ليس بالضرورة أن كل هندوسي انتقل من جسد إلى جسد فثمة ولادات جديدة، والجواب : نعم، ولكن هذا الأمر لا يشعر به كل الهندوس بما يعني ضرورة بطلان دعوى التناسخ فضلا عن دعوى الاتحاد بالإله .
ثالثا : الكتب المقدسة لدى الهندوس :
تنتشر الكتب المقدسة عند الهندوس انتشارا كبيرا ومن أهم كتبهم المقدسة الويدا الذي لا يعرف له واضع معين، ومحتواه عبارة عن تاريخ الآريين القديم في مقرهم الجديد ” الهند “، ففيه أخبار حلهم وترحالهم ودينهم ومعاشهم ومطاعمهم ولباسهم ، والويدات عبارة عن أربع كتب دينية هي:
1- الريج ويد ( RIG VEDA) ويشتمل على 1017 أنشودة دينية وضعت ليتضرع بها الهندوسي أمام الآلهة ، ويقال إنه يرجع في تأليفه إلى 3000ق . م .
2- ياجورويدا ( YAJUR VEDA ) وتشتمل على العبادات القولية التي يتلوها الرهبان عند تقديم القرابين .
3- ساما ويدا ( SAMA VEDA ) وتشتمل على الأغاني التي ينشدها المنشدون آثناء إقامة الصلوات وتلاوة الأدعية .
4- آثار ويدا ( ATHAR VEDA ) وتشتمل على مقالات في السحر والرقى والتوهمات الخرافية مصبوغة بالصبغة الهندية القديمة .
ويجهل الباحثون تاريخ تدوينها وأول كتابتها، ويرجح ديورانت أن بعض التجار الهنود من طائفة الدرافيديين هم من قاموا بمهمة التدوين الأولى، ما جعل هذه الكتابة في بداياتها لا تستخدم إلاَّ لأغراض تجارية وإدارية .
وشجع الكهنة الهندوس ـ البراهمة ـ فيما بعد هذا التدوين لتكون الويدات في أيديهم سلاحاً دينياً يضمن لهم السيطرة والموقع المتقدّم، خاصة بعد أن وطدوا أسس النظام الطبقي في الهند وأعطوه بعداً دينياً. والويدات كما يبدو لم تكن كتاباً واحدا،ً وإنَّما هي مجموعة كتب تصل إلى أربعة عشر كتاباً تتفرع عن الكتب الأربعة التي ذكرناها .
الطبقات عند الهندوس : يعتبر الهندوس مجتمعا شديد الطبقية، بالغ التعصب، فبينا يتمتع أناس فيه بمقام الآلهة، يخوض آخرون أوحال الذل والمهانة، وهذا التقسيم ليس نتيجة سلطة ظالمة توشك أن تزول، بل هو بمقتضى دينهم قدرا إلهيا وأمرا ربانيا، فالإله عندهم قد خلق الخلق على هذا النحو الذي هم فيه، فجاء في كتابهم “منُّوسَمَرتي” وهو سفر من أسفارهم المقدسة حيث جاء فيه :” لسعادة العالـم خلق برهما – إله الخلق – البراهمة من وجهه، والكشتريين من ذراعيه، والويش من فخذيه، والشودر من قدميه ” ووفقا لهذا الخلق يجب أن تكون وظائفهم في الحياة وفق دلالة موضع خلقهم، فرأس الإله مركز الفكر والحكم، خلق منه البراهمة فهم العلماء والحكماء ويتمتعون بمزايا عظيمة، والذراعان هما مصدر القوة والبطش ومنهما خُلِقَ الكشتريون فوظيفتهم حماية البلاد ونظامها من الأعداء والمتربصين وهؤلاء هم الجند ، والفخذان اللذان عليهما اعتماد البدن خلق منهما الويشا فوظيفتهم حمل المجتمع ماديا فيقومون بالتجارة والصناعة وعليهم يقع توفير الأمن الغذائي وتأمين الرخاء والاستقرار المعيشي، وتأتي الطبقة الدنيا – الطبقة المسحوقة باسم الدين – وهي الطبقة التي خلقت من قدمي الإله لتكون أسفل طبقة في سلم المجتمع الهندوسي وهي طبقة الخدم والعبيد ( الشودرا ). فواجبهم الخدمة والعمل وإنجاز كلّ ما يوكل لهم من الطبقات الأعلى. يقول البيروني: “ويكون شُودر مجتهداً في الخدمة والتملُّق، متحبباً إلى كلّ أحدٍ بها، وكلّ من هؤلاء إذا ثبت على رسمه وعادته نال الخير”. أمّا إذا لـم يقم بواجبه ناله العقاب، وقد نص شرع الهندوس (منُّوسَمَرتي) بشأن وظيفة هذه الطبقة بما يلي: “وفرض الإله الأعظم على الشودار أمراً واحداً وهو أن يقوم بإخلاص تام بخدمة هذه الفرق الثلاث”، ويقصد بها الطبقات السابقة الذكر وهم: البراهمة، الكشاتريا، والويشا.
ولا يدخل المنبوذون في هذا التقسيم فهم درجة دنيا مدنسة لا تدخل أساسا في التركيبة الهندوسية .
شعائر وعبادات الهندوس :
1- الطهارة عند الهندوس نوعان : طهارة حسية بالماء، فيوجبون الغسل على من مس حائضا أو منبوذا أو أنزل منيا وطهارة معنوية، وهي طهارة القلب والروح بالعلوم والمعارف والتأمل.
2- الصلاة : وهي من أهم الشعائر عندهم وتؤدى في وقتين في اليوم في الصباح عند طلوع الفجر إلى الإشراق وفي المساء إلى ظهور النجوم، وتصلى فرادى وتختلف صلاة المرأة عن صلاة الرجل ، وتؤدّى في المعابد وفي البيوت والغابات وعلى ضفاف الأنهار.
3- اليوجا : وهي من الشعائر التعبدية المهمة لدى الهندوس وهي طريقة رياضية روحية وجسدية يتبعونها لتسهيل اتحادهم بالإله وفق زعمهم، وللأسف الشديد فقد انتشرت هذه العبادة الهندوسية – اليوجا – بين شباب المسلمين تحت غطاء الرياضة جهلا بجذورها الفلسفية الكفرية والله المستعان .
4- الحج عند الهندوس : بالذهاب إلى نهر الغانج سنويا والاغتسال فيه للتطهر من آثامهم وكذلك يلقون فيها رماد موتاهم .
5- إحراق الموتى : فالأجساد لا قيمة لها وفق معتقداتهم، فهي مركب الروح فإذا فارقتها الأرواح كانت أولى بالإحراق، وبعد حرقها تتلى عليها التعاويذ الهندوسية ثم توضع في أنبوب لترمى بعد ذلك في نهر الغانج .
6- سرادة : ومعناها الوضيمة وتطلق – كما يذكر البستاني في معارفه – على احتفال يجريه الهندوس لموتاهم لإيصال أرواحهم إلى السماء وتسهيل قبولها بين الأرواح الخالصة ، وعندهم أنَّ عدم إجراء هذا الاحتفال يُبقي الروح تائهة على وجه الأرض مع الأرواح النجسة، وأنَّ الذي يتأخر في أداء هذه الفروض نحو أقربائه تلعنه الآلهة والبشر وتبقى أرواح أقربائه محرومة مدّة سنوات معلومة من وليمة الأرواح الخالصة، والذي يموت بدون أن يترك ابناً ليتمّم بعده الفروض المأتمية يكون سبباً لطرد أرواح سلفائه من الجنَّة إلى الجحيم.
الهندوسية في الميزان
بعد أن استعرضنا جملا من دين الهندوس تعريفا وعرضا، كان من الأهمية بمكان أن نعرض لتلك الجمل من دينهم نقدا وتقويما حتى لا نكون كمن يعرض بضاعة أهل الباطل ويدل عليها .
والمداخل التي ترد على دين الهندوس يمكن تقسيمها إلى قسمين :
الأول : بيان بطلان أصل دينهم .
الثاني : بيان نقض جُمَلٍ من دينهم .
فالمدخل الأول ينصب النقد من خلاله على أصول تلك الديانة، فالهندوسية ليست ديانة سماوية موحى بها من عند الله، بل هي أرضية المنشأ، بل إنها ليست منسوبة حتى إلى شخص بعينه أنشأها ودعا الناس إليها، بل هي عبارة عن معتقدات وعادات ونظم وسلوكيات قوم سجلت ودونت فاتخذها أجيالهم من بعدهم دينا يتبعونه ومنهجا يسيرون عليه، ووفقا لهذا التقرير فليس للهندوسية طابع الإلهية وبالتالي فليست معصومة من الخطأ، بل معتقداتها وعباداتها ما هي إلا آراء وتخيلات بشرية .وانتفاء صفة الإلهية عن الهندوسية شامل لمخترعي هذه الديانة من حيث أنهم ليسوا رسلا من عند الله ، وشامل لكتب تلك الديانة من حيث أنها غير منزلة من عند الله سبحانه . وبذلك تبطل هذه الديانة من أساسها وتصبح غير ذات قيمة كدين يجب اتباعه .
هذا من حيث ما يدخل على الهندوسية في أصل دينهم ، أما ما يدخل عليهم في تفاصيله فالمداخل كثيرة ويمكننا أن نقتصر اختصارا على بعض الجمل :
1- تعدد الآلهة : فالآلهة عند الهندوس كثيرة ومتعددة فتبدأ من كواكب السماء وتنحط إلى فئران الحقل وبقر الطرقات، بل حتى الأفاعي في جحورها هي آلهة أيضا، فالكل متولد عن الإله أو مساعد له أو مظهر من مظاهره ، وهذا لا شك من أبطل الباطل وأمحل المحال، فهذه مخلوقات يعلم الكل ويشهد أنها لا تملك لنفسها ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا، فكيف تعبد ولأي غاية يتقرب إليها، وهي أضعف ممن يعبدها فعبادة هؤلاء ضعف في العقل وضلال في الدين .
2- الطبقية عند الهندوسية وهي من أشنع الطبقيات وأقبحها وأرذلها، فالطبقية ربما حصلت في بعض المجتمعات لكن كان بالإمكان التخلص منها بل والثورة عليها، وهي في كل الأحوال حالة مجرّمة عند البشر، لكنها عند الهندوس قدرا إلهيا وأمرا ربانيا ومن يخالفه يشقى في ديناه وبعد موته، فمن ولد من الخدم يظل طيلة عمره خادما ولا يحق له أن يترفع عن هذه المهنة أو أن يكون له طموحاته في التحرر ، فالطبقية قيد على معصمه لا يستطيع الخلاص منه إلا أن يتحرر من الهندوسية ذاتها ، والطبقية في الهندوسية دليل على أرضية وبشرية هذه الديانة .
المراجع :
1- مقارنة الأديان لأحمد شلبي .
2- قصة الحضارة لول ديورانت .
3- الموسوعة الميسرة .
4- مواضيع متفرقة من على صفحات الإنترنت .