شهر رمضان
يحتلّ الصيام عند المسلمين منزلةً رفيعة؛ لما له من مكانة عند الله سبحانه وتعالى، ولما فيه من الأجر والثواب لمن يقومه ويصومه بحقّه، وقد جاء ذكر شهر رمضان الفضيل في كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- في الكثير من المواضع، وكان ذلك إمّا لبيان فضله، أو لبيان أجر الصائم، أو أهمّية صيامه وقيامه، وقد احتلَّ شهر رمضان في أحاديث النبي وأقواله وحالاته المكانة الأرفع بين العبادات الأخرى بعد الصلاة.
أحاديث عن رمضان
رُوي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- الكثير من الأحاديث الصحيحة التي تُشير إلى فضل رمضان، وفضل صيامه وقيامه، ودوره في مغفرة الذنوب وتكفيرها، وتحصيل الأجور العظيمة، وأنَّ من فاته قيام رمضان فقد فاته خيرٌ عظيم، ومن هذه الأحاديث والنصوص ما يأتي:
- ما رواه عبدالله بن عباس -رضي الله عنهما- قال: (لمَّا رجَعَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ من حَجَّتِهِ، قال لأمِّ سِنَانٍ الأنصاريَّةِ: ما منَعَكِ من الحجِّ. قالت: أبو فلانٍ، تَعني زوجَها، كان لهُ ناضِحَان حجَّ على أحَدِهِما، والآخرُ يسقي أرضًا لنَا. قالَ: فإنَّ عمرةً في رمضانَ تَقْضي حجةً معي)،[١] وقد اختلف العلماء في معنى هذا الحديث، وفي المراد أنّ المسلم إن اعتمر في شهر رمضان فسيُعادل ذلك فضيلة الحجِّ مع النبي، وفيما يلي أقوال العلماء في هذه الجزئيّة:[٢]
- ذهب بعض العلماء كسعيد بن جُبير، وابن حجر العسقلاني وغيرهما إلى أنّ هذا الحديث خاص بالمرأة التي سألت النبي صلى الله عليه وسلم فأجابها بذلك الفضل، وأنّ هذا الفضل لا يصدق على غيرها من الناس.
- ذهب بعض العلماء إلى أنَّه لا تتحصّل هذه الفضيلة إلّا لمن نوى الحج في وقته فعجز عن أدائه مادياً أو جسدياً أو غير ذلك، ثمّ قدر على أداء عمرةٍ في شهر رمضان المبارك، فيكون بأدائها قد أدرك أجر وفضل الحج بنيّته الحج، وقد نُقل هذا القول عن ابن كثير وابن تيمية وغيرهما من العلماء.
- يرى أصحاب المذاهب الأربعة المعتبرة وغيرهم من الفقهاء الثقات والعلماء العدول أنّ هذا الفضل عام يشمل جميع من اعتمر في شهر رمضان، فليس ذلك الفضل خاصاً بالسائل كما ذهب أصحاب القول الأول، ولا خاصّ بمن نوى الحج وعجز عنه كما قال أصحاب الرأي الثاني.
- ما رُوي في تحري ليلة القدر من حديث عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- قالت: (تَحَرَّوْا ليلة القدرِ في الوِتْرِ، من العشرِ الأواخرِ من رمضانَ).[٣] ومثله ما رواه عُبادة بن الصّامت -رضي الله عنه- قال: (خرج النبيّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُخبرنا بليلةِ القدرِ، فتلاحَى رجلانِ من المسلمينَ، فقال: خرجْت لأُخبِركم بليلةِ القدرِ، فتلاحَى فُلانٌ وفُلانٌ فرُفِعَت، وعسى أن يكون خيراً لكم، فالتمِسوها في التّاسعةِ والسّابِعةِ والخامِسةِ).[٤] فالمراد في الحديثين سابقي الذكر أنّ ليلة القدر لها أيّام وليالي خاصة تم تحديدها بالعشر الأواخر الفردية من شهر رمضان، وقد كان وقتها معلوماً، فلما اختلف الصحابيان فيها نسي النبي صلى الله عليه وسلم موعدها تحديداً، وبقي على العموم أنّها في الليالي الفردية من العشر الأواخر من شهر رمضان.
- ما رُوي عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- في إثبات مداومة النبي -صلى الله عليه وسلم- على القيام والاعتكاف في العشر الأواخر فيها، واقتداء نسائه به بعد وفاته، فقد رُوي عنها أنّها قالت: (أن النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يعتكفُ العشرَ الأواخرَ من رمضانَ حتى توفاهُ اللهُ، ثم اعتكفَ أزواجُهُ من بعدِهِ).[٥]
- ما روي عن عائشة أم المؤمنين – رضي الله عنها – في فضل الدعاء ليلة القدر؛ حيثُ روي في الصحيح أنّها قالت: (يا رسولَ اللَّهِ أرأيتَ إن وافقتُ ليلةَ القدرِ ما أدعو؟ قالَ: تقولينَ اللَّهمَّ إنَّكَ عفوٌّ تحبُّ العفوَ فاعفُ عنِّي).[٦]
- ما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه في الصحيح أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إذا دخَل رمضانُ فُتِّحَتْ أبوابُ الجنةِ وغُلِّقَتْ أبوابُ جهنَّمَ، وسُلسِلَتِ الشياطينُ)،[٧] وحسب نصِّ الحديث فإنّ تصفيد الشياطين في رمضان تصفيدٌ حقيقيّ مُطلق، إلّا أنّ ذلك لا يعني انعدام تأثير الشياطين على المسلم إطلاقاً، بل إنّ المراد ضعف تأثير الشياطين على المسلم، وضعف بأسهم وسطوتهم، فلا يكون بيدهم فعل ما يفعلونه في غير رمضان، وقد اختلف الناس في ذلك بسبب وجود المعاصي والذنوب والآثام، وانتشارها من بعض المسلمين في رمضان؛ فالجواب عن ذلك بالآتي:[