قوم ثمود
بعث الله -تعالى- الأنبياء -عليهم السّلام- مُؤيّدين بالمعجزات التي تؤكّد صدق نبوّتهم وأنّهم مبعوثين من عند الله تعالى، وكان من سنّة الله -تعالى- أن جعل معجزة نبيّه تشابه الحرفة أو المهنة التي يمتهنها قومه؛ حتى يستطيعوا التّفريق بين ما يصنعه البشر وما لا يستطيع بشر الإتيان به إلّا أن يكون مؤيّداً من الله وحده، ولذلك جاء محمّد -صلّى الله عليه وسلّم- بالقرآن الكريم المعجز بين قوم اشتُهروا بالفصاحة والبلاغة، وجاء موسى بسحر عظيم لقوم اشتُهروا بالسّحر وبرعوا فيه، من ذلك جاء النبيّ صالح -عليه السّلام- بمعجزة خارقة للعادة؛ وهي انشقاق صخرة عن ناقة عظيمة تأكل وتشرب وتعطي اللبن للقوم، وكان قوم النبيّ صالح قوم ثمود، حيث كانوا بارعين في نحت الصّخر والإبداع في ذلك بشكلٍ لا مثيل له.
وسكن قوم ثمود في الأرض التي بين الحجاز والأردن، قرب منطقة تبوك، وقد مرّ بأرضهم النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- في غزوة تبوك، ولا تزال مدائنهم قائمة إلى الآن، حيث برعوا في نحت الصخور والإبداع في تشكيلها، وصنعوا منها البيوت والقصور العظيمة ، قال الله تعالى: (وَاذكُروا إِذ جَعَلَكُم خُلَفاءَ مِن بَعدِ عادٍ وَبَوَّأَكُم فِي الأَرضِ تَتَّخِذونَ مِن سُهولِها قُصورًا وَتَنحِتونَ الجِبالَ بُيوتًا فَاذكُروا آلاءَ اللَّهِ وَلا تَعثَوا فِي الأَرضِ مُفسِدينَ)،[١] وأعطاهم الله -تعالى- نِعماً ورزقاً كثيراً، حيث ورد فيهم: (أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ*فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ*وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ)،[٢] ولكنّهم كفروا نعمة الله -تعالى- وجحدوها وعبدوا الأصنام من دون الله تعالى.[٣]
إقرأ أيضا:الرزقدعوة صالح لقومه
بعث الله -تعالى- صالح -عليه السّلام- إلى قومه داعياً إيّاهم إلى توحيد الله -تعالى- وعبادته، وكان من أرفعهم نسباً وأكثرهم علماً وخلُقاً، فدعاهم إلى التوحيد والاستقامة، وترك عبادة الأصنام، وبيّن لهم أنّ ما مكّنهم الله -تعالى- من نعمة القوة والعمران والرفاه يجب أن تقابل بالشكر والتقدير، وذكّرهم بعاقبة قوم عاد من قبل، حين كفروا نِعَم الله -تعالى- وكذّبوا نبيّهم، وحذّرهم من أن يمرّ بهم نفس الحال إذا كرّروا صنيع مَن قبلهم، حيث قال الله -تعالى- على لسان صالح عليه السّلام: (وَاذْكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُوراً وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتاً فَاذْكُرُواْ آلاء اللّهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ).[١] لكنّ قوم صالح لم يؤمنوا بما جائهم به ولم يصدّقوه، وإنّما شكّكوا في فكره ورأيه، فقالوا بأنّه من أكثر الناس رجاحةً للعقل والرأي فكيف يأتي بعد سنوات من عبادة الأصنام التي درجوا عليها وأخذوها عن والديهم بعبادة جديدة وتوحيد للإله، فكان ذلك عظيم عليهم ولم يتقبّلوه ولم يؤمنوا به.[٣]
إنّ صالح -عليه السّلام- تمسّك بطريق الدّعوة ولين الجانب في عرض دينه الجديد، وجادلهم بالتي هي أحسن، حيث ورد في القرآن الكريم: (قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةً مِّن رَّبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَن يَنصُرُنِي مِنَ اللّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ)،[٤] فكانت طريقته غايةً في اللطف واللين وأكّد لهم أنّه سيبقى يدعوهم ويذكّرهم بفضل الله -تعالى- عليهم وبسبيل التّوحيد لشكر تلك النِعم ليستقيموا إليه أو يحكم الله -تعالى- بينهم، لكنّهم أصرّوا على موقفهم المُنكر لرسالة صالح عليه السّلام، واتّهموه بأنّه مسحور وغائب عن الصواب في دعوته، حيث قال الله تعالى: (قَالُوا إِنَّمَا أَنتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ).[٥][٣]
إقرأ أيضا:سر بسم الله الرحمن الرحيممعجزة صالح عليه السلام
كان نفر من قوم صالح -عليه السّلام- مجتمعين يوماً في نادٍ لهم، فدخل عليهم صالح -عليه السّلام- فدعاهم ونصحهم وذكّرهم بالله، فقابلوه كما في كلّ مرّةٍ بالكفر والتّكذيب، ثمّ أشاروا إلى صخرة كانت قريبة من مجلسهم ليخرج منها ناقة تأكل وتشرب ليؤمنوا برسالته ويوحّدون الله تعالى، فذهب صالح عليه السّلام- إلى مصلّاه فصلّى لله -تعالى- وطلب منه أن يبعث له تلك المعجزة كما طلبوا لتكون دليلاً على صدقه أمامهم، فانشقّت الصخرة عن ناقة عشراء في تمام المواصفات التي طلبوها وذكروها، فآمن لصالح -عليه السّلام- الكثير منهم وصدّقوه واتّبعوه، وبقي الكثير أيضاً على كفرهم وضلالهم مكذّبين ومشكّكين، لكنّ القوم أجمعوا على أن تبقى تلك الناقة بين أظهرهم تأكل وتشرب وترعى في أرضهم، فكانت تشرب من بئر لهم يوماً كاملاً، وهم يشربون يوماً كاملاً، حيث قال الله تعالى: (وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ)،[٦] فهمّ بعض القوم بقتل الناقة ليكون لهم النصيب الأوفر من ماء البئر، فورد في القرآن الكريم: (فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ).[٧][٨][٩]
عذاب قوم ثمود
بعد قتل ناقة النبيّ صالح تآمر كبار القوم على قتل نبيّهم أيضاً، فتآمروا بذلك ليلاً واتّفقوا أن يذهبوا إليه فيقتلوه ثمّ يتبرأوا من دمه، فعجّل الله لهم عذابهم وأنزل عليهم حجارةً أهلكتهم ونجّى الله -تعالى- نبيّه من القتل: (قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ*وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ*فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ)،[١٠] ثمّ كتب الله -تعالى- على القوم جميعاً الهلاك بعد كفرهم وضلالهم الطويل، فأنذرهم بأنّ العذاب نازل بهم بعد ثلاثة أيام، فكان القوم يُصبحون ويُمسون منتظرين العذاب، فجعلوا لأنفسهم القبور وأيقنوا أنّ العذاب واقع بهم، وعندما طلعت شمس اليوم الرابع وتأخّر العذاب ظنّ القوم أنّ الله -تعالى- عفا عنهم، فخرجوا من قبورهم ينادي بعضهم بعضاً، فجائهم جبريل -عليه السّلام- بالعذاب والهلاك فصاح بهم صيحةً ارتجفت الأرض من تحتهم وتقطّعت منها قلوبهم ودمّرت عليهم بيوتهم.[
إقرأ أيضا:كيف أكتب وصية شرعية