التوبة
وَسعت رحمة الله تعالى كلّ شيءٍ في الدنيا وكان للإنسان نصيبٌ كبيرٌ من هذه الرحمة، ومن رحمته تعالى بالإنسان أن جعل له التوبة، فلم يخلق الله تعالى الإنسان مَعصوماً عن الخطأ والزلل، ويعلم الله تعالى أنّ الناس قد يقعون في بعض المعاصي العظيمة، ولو علم الإنسان أنّها لا توبة له لاستشرى في هذه المعاصي يأساً من رحمة الله تعالى ولعلمه أنّ مصيره إلى النار، ولكنّ الإنسان ولعلمه بالتوبة ورحمة الله تعالى فإنّه يتوقف عن إثمه ويحاول جاهداً الرجوع إلى الله تعالى عن طريق التوبة والاستغفار، ولهذا كانت التوبة رحمةً للمجتمع بأكمله وليست للعاصين فقط.
التوّاب
كان من أسمائه تعالى التوّاب؛ وهو اسمٌ تكرّر كثيراً في القرآن الكريم، فالتوّاب هو صيغة مبالغةٍ؛ إذ إنّ الله تعالى يعفو عن عباده على الرّغم من تكرارهم لذنوبهم مراتٍ عديدةٍ ما دام في قلب المذنب ندمٌ ورغبةٌ للعودة إلى طريق الحقّ والصواب، فيُبقي الله تعالى باب التوبة مَفتوحاً أمام العبد حتى يُغرغر عند الموت، فيقول الله تعالى في القرآن الكريم: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم) [الزمر: 53].
كيف تكون التوبة
من رحمة الله تعالى بالعباد أن جعل التوبة أمراً ضمن مقدرة جميع الناس، إلّا أنّه لم يجعل من التوبة أمراً سهلاً يستهين به الناس في ذات الوقت، فلا يمكن للعبد الاستهزاء بالتوبة فيتوب مرّةً ويرجع مرّةً أخرى، فالتوبة أمرٌ عظيمٌ لا يعلم عظمها إلّا من عرف عظم ذنبه الذي ارتكبه وعظم الله تعالى الذي أمره بعدم فعل هذا الذنب في المقام الأوّل والتوبة في حال ارتكبه، وعظم الجزاء الذي ينتظره إن لم يتب إلى الله تعالى.
إقرأ أيضا:صفات المؤمنتتضمّن التوبة بعض الشروط التي أوّلها أن تكون خالصةً لوجه الله تعالى، فيوجد قسمان للتوبة وهما: التوبة الظاهرة والباطنة، فأمّا التوبة الظاهرة فهي التي قد يَهرب فيها المرء من العقاب أمام الناس، وأمّا الباطنة فهي التي بين العبد وربّه، وهي التي يُحاسب عليها المسلم يوم القيامة.
يجب على المسلم وقت التوبة بعد إخلاص النيّة لله تعالى أنّ يندم، ويقلع، ويعزم؛ فيندم على الذنب الذي ارتكبه في الماضي؛ فمن لم يندم لم يعترف بقبيح صنعه ودلّ ذلك على رضاه عنه، وأن يُقلع عنه في الحال فلا يقول سأفعله لآخر مرّةٍ أو سوف أتركه، ويعزم على ألّا يعود له في المستقبل، ومن آخر شروط التوبة وهي حسب القدرة عليها الاعتذار من الخليقة، وإرجاع الحقوق لهم في حال الاستِطاعة.
لا تنتهي التوبة عند هذا لمن خاف من الله تعالى وعلم أنّه هو العظيم، فيُحسّن الإنسان من نفسه بعد التوبة ويبقى يقظاً لهمزات الشيطان وشهوات نفسه خائفاً من الله تعالى متكسّراً قلبه بين يديه تعالى، غير آمنٍ من مكر الله تعالى حتى نهاية حياته؛ إذ يقول الله تعالى: (أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ) [الأعراف:99].
إقرأ أيضا:كيف نحب الرسول