إن الذكر من أعظم القربات وأجلها؛ إذ هو عبادةٌ يسيرةٌ لا تحتاج إلى كثيرٍ من الجهد، يستطيع المسلم فعله في أيّ وقتٍ، وقد حثّ الله -عزّ وجلّ- عباده عليه وأمرهم، فقال في كتابه العزيز: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّـهَ ذِكْرًا كَثِيرًا* وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا)، ورتّب عليه عظيم الأجر وجزيل الثواب، فقال في كتابه: (وَالذَّاكِرِينَ اللَّـهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّـهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا).
ومن أنواع الذكر: الحوقلة؛ وهي قول لا حول ولا قوة إلا بالله؛ أي لا قوة للعبد ولا حيلة له بالقيام بأيّ أمرٍ إلا بعونٍ من الله وتوفيقه وتسديده، فهو يقرّ بعجزه وضعفه، ويبرأ من قوته وحيلته إلى قدرة الله وقوته، وهذا من تمام التوكل والاستسلام، والحوقلة ذكرٌ نبويٌّ جليلٌ كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يكثر من قوله ويأمر أصحابه به، فهو ذكرٌ يسيرٌ لفظه ونطقه، كثيرٌ أجره وفوائده، يحمل معانٍ ومقاصد عظيمة، وفي هذا المقال بيانٌ لفضله.
ما هو فضل الحوقلة؟
تحدثت العديد من النصوص في السنة النبوية عن أهمية ذكر لا حول ولا قوة إلا بالله، وفضل الإكثار منه، وحثّ المسلم على المداومة عليه والالتزام به، وفيما يلي بيان أبرز فضائله:
من أحبّ الكلام إلى الله -تعالى-
جاءت الحوقلة ضمن الكلمات الأربعة التي وُصفت أنها أحبّ الكلام إلى الله -تعالى-، فجاء في الحديث قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ما علَى الأرضِ أحدٌ يقولُ : لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ واللَّهُ أَكْبرُ ولا حولَ ولا قوَّةَ إلَّا باللَّهِ ، إلَّا كُفِّرَت عنهُ خطاياهُ ولو كانت مثلَ زبدِ البحرِ).
إقرأ أيضا:ذكر الله بلفظ الجلالةمن الباقيات الصالحات
تعد الحوقلة من الباقيات الصالحات التي وردت في القرآن الكريم، وقد سُئل -صلى الله عليه وسلم- عنها، فعدّ الحوقلة من ضمن الباقيات الصالحات، وقد جاء عن عثمان بن عفان -رضي الله عنه- أنه سئل عنها فقيل: (فما الباقياتُ الصَّالحاتُ يا عُثمانُ ؟ قال : هيَ : لا إلهَ إلَّا اللهُ ، و سُبحانَ اللهِ ، و اللهُ أكبرُ ، و لا حَولَ و لا قُوَّةَ إلَّا باللهِ).
كنزٌ من كنوز الجنة
أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم في حديثه أن الحوقلة هي كنزٌ من كنوز الجنة، فجاء في الحديث: (قُلْ: لا حَوْلَ ولَا قُوَّةَ إلَّا باللَّهِ، فإنَّهَا كَنْزٌ مِن كُنُوزِ الجَنَّةِ)، ووصف النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها كنز؛ دليل على أنها ذخيرةٌ نفيسةٌ يُنتفع بها، فالكنز يدّخر لأنه أنفس الأموال، وكذا الحوقلة فهي كنزٌ تدخّر لصاحبها أفضل الأجر والثواب في الجنة.
باب من أبواب الجنة
أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن قول لا حول ولا قوة إلا بالله هي باب من أبواب الجنة، فقال لسعد بن عبادة -رضي الله عنهما-: (ألا أدلُّكَ على بابٍ من أبوابِ الجنَّةِ قلتُ بلى قالَ لا حولَ ولا قوَّةَ إلَّا باللَّهِ)،[٨] أي أن الحوقلة سبب في دخول قائها الجنة، إن قالها موقناً بها وبمقاصدها.
إقرأ أيضا:ذكر الله بلفظ الجلالةتكفير الذنوب والخطايا
إن قول الحوقلة والإكثار منها سبب لتكفير صغائر الذنوب والخطايا، دلّ على ذلك الحديث الأول الذي ورد في هذا المقال.
الهداية والكفاية والوقاية
إن الحوقلة سبب لحفظ العبد من الشيطان وحمايته من مكائده، وتهديه أيضاً إلى ما صحّ من الطرق، وتكفيه ما أهمّه وأغمّه، جاء في الحديث: (إذا خرجَ الرَّجلُ من بيتِهِ فقالَ : ( بِسمِ اللهِ ، توكَّلتُ على اللهِ ، لا حَولَ ولا قوَّةَ إلَّا باللهِ ) ؛ يُقالُ لهُ : حَسبُك ، هُدِيتَ وكُفِيتَ ووُقِيتَ ، وتَنحَّى عَنهُ الشَّيطانُ)،فقائلها يستعين بالله ويفوّض أمره إليه، ويبرأ من قوته وحوله إلى حول الله وقوته.[٩]
إقرأ أيضا:ما هو ذكر التوحيد؟
إجابة الدعاء وقبوله
إن الحوقلة من أسباب قبول الدعوات وإجابتها، فجاء في الحديث: (مَن تَعارَّ مِنَ اللَّيْلِ، فَقالَ: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وحْدَهُ لا شَرِيكَ له، له المُلْكُ وله الحَمْدُ، وهو علَى كُلِّ شيءٍ قَديرٌ، الحَمْدُ لِلَّهِ، وسُبْحَانَ اللَّهِ، ولَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، واللَّهُ أَكْبَرُ، ولَا حَوْلَ ولَا قُوَّةَ إلَّا باللَّهِ، ثُمَّ قالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، أوْ دَعَا؛ اسْتُجِيبَ له…)