أحكام الشريعة الاسلاميه

حكم الانتحار

الانتحار

حَرص الإسلامُ وعنيَ بالحياة البشريّة بِشتّى المجالات والوسائل والسبل، ومن ذلك أنه حرَّم الاعتداء على النفس البشرية وجميع ما يؤدّي إلى ذلك، حتى لو كان ذلك الاعتداء يَسيراً، كما حرَّم القتل وشنَّع منه وحذر الناس من تداوله، وَوضعَ عقوباتٍ زاجرة للحدِّ من انتشار ظاهرة القتل وفُشوّها في المجتمع ممّا يؤدّي إلى حفظ الأمن فيه وتأمين سلامة المجتمعات واستقرارها.

وضع الإسلام قواعد مثالية لحفظ الأمن والسلامة العامة عموماً، ولحفظ حُقوق المُسلمين وصون النفس البشريّة خاصّةً اعتداء الآخرين على النفس، أمّا بخصوص اعتداء الإنسان على نفسه من خلال إيقاعها بالمهالك أو تعريضها للمخاطر فقد جعل الإسلام لذلك أحكاماً وقواعدَ خاصّة، أمّا من يقتل نفسه ويُزهق روحه من خلال الوسائل المفضية إلى القتل والموت الحتمي شفسيُوضّح هذا المقال حكم الشرع فيها، وعقوبة فاعل ذلك عند الله تعالى.

معنى الانتحار

  • الانتحار لغةً: مصدرها انتحرَ ينتحر، انتِحارًا ، فهو مُنتحِر، واِنْتَحَرَهُ بِالعَصا: أي ضرَبَهُ بِها، واِنْتَحَرَ السَّحابُ: أي اِنْدَفَعَ مِنْهُ مَطَرٌ كَثِيرٌ، وانتَحَرَ الرَّجل: قتل نفسَهُ بواسطة شيءٍ معين، وانتحر السّحابُ: إذا انبعَق بالمطر، وانتَحَرَ القوم على الأمر: أي تشاحُّوا عليه وحَرَصوا، والانتحار هو صوت المطر المنبعق بغزارة، والانتحار الأخلاقي يعني: تعريضُ السّمعة والنفوذ لخطر الزوال.
  • الانتحار اصطلاحاً: كل فعلٍ يقوم به شخصٌ مُعيّن يؤدّي به إلى قتل نفسه وإزهاق روحه، وقيل هو: قرار يأخذه الشخص بإنهاء حياته بنفسه ثمّ يعمد إلى ذلك بالفعل المباشر، ويمكن التمييز في معنى الانتحار من حيث نوعه؛ حيث ينقسم الانتحار إلى انتحار حقيقي، ومعناه ما تمَّ بيانه سابقاً، وانتحار نفسي: وهو نوعٌ من الانتحار غير الصريح حيث فيه يزهد الإنسان بالحياة ويبغضها ممّا يَدفعه إلى عدّة عوامل تؤدّي به إلى اليأس ومن ثُمّ تحطيم نفسه مَعنويّاً ممّا يؤدّي إلى إصابته بحالات مرضية ربما تكون مُهلكةً في بعض الحالات.

حكم الانتحار

شاع الانتحارُ وكثُر في الآونةِ الاخيرة حتى أصبح ربّما يُمثّل ظاهرةً عامّةً في المجتمعات المُسلمة وغيرها، لذلك تجب الإشارة إلى حكمه، ونظرة الإسلام له، ومكانة المُنتحر في الإسلام، وكيف حذّر منه النبي – صلى الله عليه وسلم – من خلال الأحاديث النبوية العديدة.

إقرأ أيضا:شروط المسح على الجوارب

إنّ الانتحار مُحرّمٌ شَرعاً؛ بل إن الإسلام قد اعتبره من كبائر الذنوب والآثام التي قد يقوم بها المسلم، لما في ذلك من إنهاء حياته التي أعطاها الله له، وأمره بحفظها، فيكون المنتحر متعدّياً على ما استأمنه الله عليه قبل أن يتعدّى على نفسه ويظلمها، وبيان دليل حرمة الانتحار ورأي الإسلام فيه من خلال النصوص الصحيحة كالآتي:

  • عن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (من تردّى من جبلٍ فقتل نفسَه، فهو في نارِ جهنمَ يتردّى فيه خالدًا مخلدًا فيها أبدًا، ومن تحسى سمًا فقتل نفسَه، فسمُّه في يدِه يتحساه في نارِ جهنمَ خالدًا مخلدًا فيها أبدًا، ومن قتل نفسَه بحديدةٍ، فحديدتُه في يدِه يجأُ بها في بطنِه في نارِ جهنمَ خالدًا مخلدًا فيها أبدًا)؛ إنّ هذا الحديث يُشير صَراحةً إلى أنّ المُنتحر خالدٌ في نار جهنّم، وأنه يُعاقب في الآخرة بمثل ما استخدمه في قتل نفسه؛ فإن قتل نفسه بحديدةٍ تكون عقوبته بأن يغرسها في بطنه في النار يوم القيامة، ومن تَجرّع سماً تكون عقوبته كذلك في النار وغير ذلك.
  • عن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من حلفَ بملةٍ سوى الإسلامِ كاذبًا متعمدًا فهو كما قال، ومن قتل نفسَه بشيءٍ عذّبَه اللهُ به في نارِ جهنمَ، هذا حديث سفيان، وأما شعبة فحديثُه أن رسولَ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قال: من حلف بملةٍ سوى الإسلامِ كاذبًا فهو كما قال، ومن ذبح نفسَه بشيءٍ ذُبحَ به يومَ القيامةِ).
  • ما رواه جندب بن عبد الله رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (كان فيمن كان قبلكم رجلٌ به جرحٌ، فجزِع، فأخذ سكينًا فحزَّ بها يدَه، فما رقأ الدمُ حتى مات، قال اللهُ تعالى: بادرني عبدي بنفسِه، حرمتُ عليه الجنةَ). فيثبت الحديث أنّ من قتل نفسه أو أوردها المهالك حتى تسبب في قتل نفسه فإنما يُحرم الله عليه الجنّة لفعله ذلك.
  • إن النبي – صلى الله عليه وسلم – لم يُصلٍّ على المنتحر، بإشارةٍ منه إلى شنيع وقبيل الفعل، من باب الزجر والتوبيخ له ولمن يُفكِّر بفعلٍ مثله، لكنه في الوقت نفسه لم يمنع الناس من الصلاة عليه ولم ينههم عن ذلك، مما يدلُّ أنه لا يخرج عن دائرة الإسلام مع كونه عاصياً لله،
  • روى جابر بن سمرة – رضي الله عنه – ما حصل في تلك الحادثة فقال: (أُتي النبي صلى الله عليه وسلم برجل قتل نفسه بمَشاقص فلم يصل عليه). دلَّ الحديث على جوازِ الصلاة على قاتل نفسه، وعدم صحة من قال بعدم جوازها لكونه عاصياً وقد قال بصحة الصلاة على قاتل نفسه الحسن البصري والنخعي وقتادة والإمام مالك وأبو حنيفة والشافعي وجمهور أهل العلم، حيث إنّ النبي – صلى الله عليه وسلم – لم يمنع الصحابة من الصلاة عليه، وإنما كان امتناعه هو من الصلاة عليه من باب الزجر لا الحرمة
السابق
حكم الزواج العرفي
التالي
حكم سب الدين