بينما كان “أدوين هابل” يراقب النجوم بمنظاره.. اكتشف أن لون الطيف الصادر من هذا النجم يتحول إلى الأشعة تحت الحمراء (Infrared). وتقول نظريات علم (astrophysics) الفيزياء الفلكي أنه عندما ينقلب اللون الطيف الصادر من جسم سماوي (سوبر نوفا) إلى الأشعة تحت الحمراء، وكان هذا أول اكتشاف لهابل من ناحية حركة النجوم
ثم تابع هابل أبحاثة، فاكتشف أن النجوم والكواكب لا تبتعد عن الأرض فحسب، بل يبتعد بعضها عن بعض .. بما يشبه البالون عند نفخه، فان النقاط المنتشرة على سطحه تبتعد بعضها عن بعض بما يجعلنا نتصور أن الكون كله يشبه ذلك البالون.. وهذا يدل على أن هذا الكون في تمدد دائم كل ثانية.
توصل أدوين هابل إلى أن الكون يتمدد باستمرار وبسرعة، وأن المجرات التي ولدت تبتعد عن مركز الانفجار الأول وكذلك تبتعد عن بعضها البعض. هذا الاكتشاف أدى إلى تساؤل العلماء الفلكيين حينئذ حول صحة هذا الاكتشاف وظن معظمهم بأن هابل قد أخطأ. فالفكرة كلها بدت صعبة التصديق لأن ذلك يستوجب الكثير من التغيير في طريقة التفكير التي كان يتبعها العلماء في نشأة الكون.
وليس هذا فحسب بل إن الكون يتمدد بسرعة تزيد باطراد.. على عكس ما كان يتوقع علماء الفيزياء المتأثرين بقوانين الجاذبية.. إلى أن اقتنعوا بوجود مادة سوداء في الكون لا يرونها وأنها هي السبب وراء تزايد سرعة التمدد..
إقرأ أيضا:القصة القرآنية.. روعة الإعجاز في دقة الإيجاز! (الجزء الأول)فهل أخبر القرآن عن ذلك؟
نعم، لقد أخبر القرآن ذلك.. اقرأ في سورة الذاريات هذه الآية الكريمة، يقول الحق تبارك وتعالى:”وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ” (الذاريات:47)
إن كلمة موسعون تعني الاستمرارية أي أنها دليل على أن الكون مستمر في التمدد. في حين أن العلماء ما زالوا أمام ثلاث نظريات إحداهم تقول بأن كثافة المادة (الكتلة/ الطاقة) في الكون أقل من القيمة الحرجة وبالتالي فإن المجرات افتكت من قوة الجاذبية مما يعني أن الكون سيتمدد إلى ما لا نهاية.
وأما النظرية الثانية فتقول إن كثافة المادة في الكون تساوي القيمة الحرجة وفي هذه الحالة فإن الكون يتمدد بفعل الانفجار الكوني الأول إلا أنه سيتباطأ إلى أن يصبح معدل التمدد صفرًا وهذه تسمى نظرية الكون المسطح.
والنظرية الثالثة تقول إن كثافة المادة في الكون هي أكبر من الكثافة الحرجة وبالتالي فإن قوة الجاذبية ستتغلب وسيبدأ الكون بالانكماش إلى أن يحصل الانكماش الأول أو ما يمكن التعبير عنه بلغة القرآن بالرتق بعد الفتق.
إن قانون تمدد الكون الذي اكتشفه أدوين هابل تسبب في تغيير كبير لدى الطريقة التي كان علماء الفلك والفيزيائيون يفكرون بها، حيث كان الجميع ينظر إلى الكون على أنه ساكن بما فيهم أينشتين، والذي دعاه إلى وضع ثابت التثاقل (عجلة التثاقل) في قانون النسبية العام احتياط أن يظهر شيء جديد يغير هذا القانون. وبعد اكتشاف هابل تمدد الكون كان لابد أن يمحو ثابت التثاقل من قانونه، وقال هذه أول مرة أندم فيها على خطأ كبير.
إقرأ أيضا:دلالات القرآن الكريم المنطقية على وجود الله تعالىوبناء عليه، بما أن الكون يتمدد فإنه قابل للانكماش فأي شيء قابل للتمدد فهو قابل للانكماش مما يدعونا، من حيث الحساب الكمي (Quantum Mech)، أن نعتقد أن الكون كان يومًا حجمه مساو للصفر. ومن نفس القانون الكمي لابد وأن تكون طاقتها تساوي اللانهائية.
وحين نعلم أن حجم هذا الكون بدأ من الصفر، فلابد وأن يكون قد جاء من العدم!
إذن، لابد وأن يكون هناك خالق لهذا الكون أوجده من العدم! ويقول تعالى في هذا كله: “يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ ۚ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ ۚ وَعْدًا عَلَيْنَا ۚ إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ” (الأنبياء:104)
وتقول نظرية أينشتين.. أن انفجارًا حدث لهذه النقطة المتناهية في الصغر نتيجة وجود تلك الطاقة اللانهائية يسمي بالانفجار الكوني الأول. Big Bang وسميت هذه النظرية بنفس المسمى (نظرية الانفجار الكوني الأول.. Big Bang Theorem)
ومن هذا يسطع تفسير جديد ليفسر سورة الفجر، ويظهر العلم الحديث ليجدد القرآن ضوئه على العقل البشري المعاصر بما يواكب خلود هذا القرآن.
ولكن هل يمكن أن يكون القرآن قد تكلم عن هذا الحدث العجيب؟
نعم.. تعالوا معي إلى الآية الكريمة رقم: (30) من سورة الأنبياء”أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ” (الأنبياء:30).
إقرأ أيضا:الأمراض الجنسية و منهج الإسلام الوقائيوالمتأمل في الآية الكريمة يجد أن ما يراه الإنسان انفجارًا عظيما هو بالنسبة لله تعالى فتقا لرتق.. -سبحان الله- وهناك عدة أدلة دامغة تؤيد نظرية الانفجار الكوني العظيم وهي:
الدليل الأول
أثبت العلماء بما لا يدع مجالا للشك أن الكون آخذ في الاتساع عن طريق ما يعرف بالإزاحة الحمراء (Red Shift) لأطياف المجرات، وأن سرعة ارتداد المجرات يزداد كلما بعدت عنا، حتى أن سرعة أشباه المجرات “الكوازرات” تبلغ سرعة ارتدادها حوالي تسعة أعشار سرعة الضوء.. أي قرابة 270.000 كيلو متر في الثانية الواحدة. وإذا كان أمر إثبات أن الكون يتسع يُعد أعظم كشف في القرن العشرين، فإن سبب الاتساع مازال يحير العلماء مع أن الأمر هين إذا اندرج تحت قدرة الله الذى يقول: “وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ” (الذاريات:47). وبما أن الكون يتسع باستمرار منذ نشأته وحتى الآن فلابد أنه كان في بدايته مضمومًا؛ أي رتقًا.
الدليل الثاني
الإشعاع الكوني الميكرويفي (Cosmic background Radiation) الذي تم رصده، وهذا الإشعاع مصدره الانفجار العظيم. إنها بقايا أصلية تمثل عينة من الانفجار الكوني الأول.
وأخيرًا، يقول تعالى: “سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ” (فصلت:53).
لقد وعد الحق تبارك وتعالى أن يُري الإنسان.. في حال المستقبل آياته ومعجزاته في هذه الكون (الآفاق)، وكذلك في نفسه لأن القوة العظمى تكمن في هذين: آفاق الكون، والنفس البشرية.
لقد وعد الله عبده أن يريه ما كان قد أخفاه عنه في الأيام الخالية.. الذي كان قد بلغ من البعد ما كاد به أن يخفى.. وما كان القرب ما كاد ألا يُري.
وإن هذه الآيات الإعجازية في الآفاق قد كانت كائنة، منذ بداية الكون والخلق، أي منذ الانفجار الكوني الأول (Big Bang) ولكنها أغشيت عن أبصارنا حتى جاء وقت الاكتشافات العلمية فواكب ظهور ووضوح الآية القرآنية الإعجازية مع اكتشاف الآية الكونية وذلك حين ظهر التلسكوب في عام 1609م. وبهذا أرانا الله بوعده الحق الذي كان خفي علينا رؤياه فيما مضى وهذه التي أشار الحق إليها بكلمة “في الآفاق”.